سورة الأنبياء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)}
{وَمَنْ عِندَهُ} هم الملائكة. والمراد أنهم مكرمون، منزلون- لكرامتهم عليه- منزلة المقرّبين عند الملوك على طريق التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على جميع خلقه.
فإن قلت: الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور.
قلت: في الاستحسار بيان أنّ ما هم فيه يوجب غاية لحسور وأقصاه، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون. [{يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لا يَفْتُرُونَ}] أي: تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم، لا يتخلله فترة بفراغ أو شغل آخر.


{أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}
هذه أم المنقطة الكائنة بمعنى بل والهمزة، قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها، والمنكر: هو اتخاذهم {ءَالِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ} الموتى، ولعمري أن من أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات.
فإن قلت: كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم؟ وكيف وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى وذلك أنهم كانوا- مع إقرارهم لله عزّ وجل بأنه خالق السموات والأرض {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى- منكرين البعث ويقولون: من يحيى العظام وهي رميم، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم، فكيف يدّعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأساً؟ قلت: الأمر كما ذكرت، ولكنهم بادّعائهم لها الإلهية، يلزمهم أن يدّعوا لها الإنشار، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأنّ ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده؛ لأنّ الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة. ونحو قوله: {مِّنَ الأرض} قولك: فلان من مكة أو من المدينة، تريد: مكي أو مدني. ومعنى نسبتها إلى الأرض: الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض: لأنّ الآلهة على ضربين: أرضية وسماوية. ومن ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أين ربك»؟ فأشارت إلى السماء، فقال: «إنها مؤمنة» لأنه فهم منها أنّ مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام، لا إثبات السماء مكاناً لله عزّ وجلَ. ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض؛ لأنها إمّا أن تنحت من بعض الحجارة، أو تعمل من بعض جواهر الأرض.
فإن قلت: لابد من نكتة في قوله: {هُمْ} قلت: النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية، كأنه قيل: أم اتخذوا آلهة لا يقدر على الإنشار إلا هم وحدهم.
وقرأ الحسن {يُنشِرُونَ} وهما لغتان: أنشر الله الموتى، ونشرها. [(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون)] وصفت آلهة بالإ كما توصف بغير، لو قيل آلهة غير الله.


{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)}
فإن قلت: ما منعك من الرفع على البدل؟ قلت: لأنّ (لو) بمنزلة (إن) في أنّ الكلام معه موجب، والبدل لا يسوّغ إلا في الكلام غير الموجب، كقوله تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك} [هود: 81] وذلك لأنّ أعمّ العامّ يصح نفيه ولا يصح إيجابه. والمعنى: لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما لفسدتا. وفيه دلالة على أمرين، أحدهما: وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحداً.
والثاني: أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده، لقوله: {إِلاَّ الله} فإن قلت: لم وجب الأمران؟ قلت: لعلمنا أنّ الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف.
وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو ابن سعيد الأشدق: كان والله أعزّ عليّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول وهذا ظاهر وأمّا طريقة التمانع فللمتكلمين فيها تجاول وطراد، ولأنّ هذه الأفعال محتاجة إلى تلك الذات المتميزة بتلك الصفات حتى تثبت وتستقرّ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8